هلال شومان: صفحة شباب السفير(الأربعاء 25 نيسان 2007)
(إلى سمير القنطار ومقدسيّ يعرف نفسه)
«حياة الآخرين»، فيلم ألماني عن الحياة في ألمانيا الشرقية. تلقي إحدى الشخصيات نكتة تنتهي بما يلي: تقول الشمس في نهاية النهار لرجل المخابرات في ألمانيا الشرقية: «إذهب إلى الجحيم. اجتزْتُ الحائط وصرتُ في ألمانيا الغربية. لا تستطيع إملاء شروطكَ علي».
***
ما زلتَ حياً؟ هل انتهوا من بناء الحائط يا مقدسيّ؟ هل فرغوا من تزنير حقل التجارب بعنفٍ لا ينتهي؟ أجزم إن هم فعلوا ذلكَ، لبدَأتَ تلوينه ورسمْتَ مصمماتكَ على طوله. ربما، ستضيف بعض الشتائم «من وحي المرحلة». مرةً كتبتَ أنَّ عبارة «من وحي المرحلة» توحي لكَ بدخول المرحاض. لا ألومك. ربما كنتَ محقاً.
إسمع. أنا توقفتُ عن المتابعة، وأشعر بالذنب أحياناً. فلسطين لا تزال ضمن أدبياتي وإن اختلفت الوسيلة. دعكَ من فائض الوطنية اللبنانية المعلَّب بنكهات. ذلك لا يشملني. مشكلتي أنني أرى نفسي دائماً في موقع الضد. لا تحزن مما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب. تصوّر أن تكون الحالة عامة. ولن يعود الضد ضداً.
كثيراً ما قيل إن «القضية» تعاني من فشل فادح في «التسويق». في البدء، لم تظهرعلى الشاشة إلا بعد خطف أو تفجير في أماكن بعيدة. أيامنا هذه، تفيض بالجثث. تشرب مجارير القرى الفلسطينية الدم الأسود. تجفف البقايا اللحميَّة أو تجلَّد. تشيعون الشهداء. تطلقون رصاصات في الهواء. يستشهد أحدكم في التشييع. تحاصَرون، ثم تعودون إلى حياتكم اليومية. تتأقلمون مع حاجزٍ نبت هنا وآخر اختفى هناك. تستحدثون طرقاً جديدة للحياة. مررتُ بهذا قبلُ صغيراً لكنني لم أقتنع بالداعي لذلكَ كله. أنتم تملكون الداعي.
مقرفٌ أن تذهب دماء الشهداء إلى المجارير. أعلم. لكن الحياة ليست حالمة كما أراها؛ ليست قذرة كما تجدها أنتَ أحياناً. إسمع. إن كنا «نحن» نحب الحياة عنوةً وبوجهين نقيضين، فأنت وآخرون تعشقونها بأوجهٍ لا تـُحصى. لكن العشق يا مقدسي دائماً مرذول أمام الحب. الحب مقونن أما العشق فخارج عن الإجماع. تذكر فقط أن لا حياة بلا موت.
جونية لم تعد تكفي. ذهب صاحب المقولة. الحجارة لم تعد تكفي. عاد الأولاد إلى مدارسهم. الأحزمة الناسفة لم تعد تكفي. قبلـَتْ بمنطق الدولة تدريجياً وبتوأمة سَمِجة قاعديـّة الهوى. حتى خطف الجنود لم يعد يكفي. بات مرادفاً لإعلان حرب (ليست معلـَنة على الإطلاق).
إلا فلسطين. تكفينا نسبة مئوية تتضاءل بازدياد اعتدالنا. نتأنسن أكثر. نوقِّع أكثر. نتنازل أكثر. نبتسم أكثر. نفقد فلسطين أكثر. ولا ينتهي كل شيء من هنا، بل نصبح خارج التاريخ لما نفصح عن نوستالجية لمكان لم نره. هكذا وفجأة، يصبح الوضع برمته قضية تطرّف حمساوي.
«فلسطين، كوكب الأرض»، تقول على صفحتك الالكترونية. تتواضع؟ المعتوه في البلاد الجديدة لا ينفكّ يتكلم عن الكون وأنت تتحدَّث عن كوكب واحد؟
يسهل التنظير من الخارج، لكنَّك قزَّمـْتَ فلسطين يا «غضيب». كوكب الأرض لم يعد يكفيني على الإطلاق. هم كلما اعتدلوا أكثر، إزدَدْتُ أنا تطرفاً.
ما رأيك في أن نستولي على نجمة المغيب تلك. نتعاون مع اليمين الإسلامي الناهِض في مواجهة اليسار الجديد المعتدل. نقرّب سماءً ونقتلع نجمة. ما المانع؟ ساندَتـْنا قبلُ دكتاتوريات صديقة وسكـَتـْنا عنها وسنعيد الكرّة. نحن لا نتوقف عن بناء تحالفات لحظوية جداً، ولا عيب في ذلك على الإطلاق. يكفينا ما نحن فيه. لن نصارع طواحين الهواء أيضاً يا رجل! هيا. أراها من هنا في السماء إلى اليمين من نافذتي. رأيتَها أنتَ هناك؟
لا. إنتظر. غيرت رأيي. أخاف أن تكون نجمتنا قمراً اصطناعياً يتلصص علينا. لا تضحك. لستُ مهووساً. أنا أعلم عن هذه الأشياء المعلَّقة في السماء، ولا أستطيع أن أطرد هكذا احتمال. لو صحَّ ذلك، فسأفقد لحظتها المستحيل. سأتوقف عن الحلم بسلم يصلني إلى فوق، أو طائر رخ يأخذني بعيداً من هنا إلى هناك، بلا جواز سفر.
***
«حياة الآخرين»، مشهد آخر. رجل المخابرات المطرود من عمله أصبح مدقق بريد. يقول له زميله مذهولاً: «سقط الحائط. سقط!». يعطيه سماعات الراديو. يستمع الرجل إلى الخبر. تلتزم تعابير وجهه الحياد، يرجِع السماعات إلى زميله، ويعود لمتابعة عمله. ما زال يدقق في الرسائل. يبحث عن كلمات تسمو فوق شرق وغرب وحائطٍ بينهما.
كلما اعتدلوا أكثر، ازدَدْتُ أنا تطرفاً
Thanks hillz!
3 Comments
G’day,
I saw the german movie by the way, One of my favourite movies thus far for this year…
The drama development was so smooth, in fact the director managed to make you feel that at least 6 hours has pasted, while it’s only one…
There’s a deeper msg in the movie than the two lines that the writer of this article chose…
Anyway, it’s been a while I haven’t read such articles, I honestly stop reading them… I used to have such writing but now I dont even bother…
I strongly recommend anyone watching “the life of others” very inspiring movie…
Cheers
Shadi
hello shadi..
thanks for your comment…well i didn’t watch the movie to discuss..i want to though 🙂
i just saw your profile!
truedoubts?! 🙂
i used to discuss stuff there..i only started one topic about “what identifies us” and replied on more few stuff
it’s been a while since i checked it..
thanks for stopping by 🙂
Mind Matters:
————-
yeah trueDoubts :'( it sort off died, hehe…
That’s where I got the address of your blog!
Anyhow, there different aspects from the movie, in short the movie is about this secret service surgent, who is portrait as the best in his job, loyal to the socialist regeme…
So he’s assigned to scrutenise (can’t spell) this writer…
Cutting it short, the “loyal” agent, discovers that deep inside he’s been watching those that resembles him…
Eventually he returns to “himself”, by saving what resembles it in the subject he’s been scrutenizing!! (if that makes sense)
Anyhow the movie portrays this better than my stupid words…
Cheers
Shadi